الكاتب : وائل قنديل |
ومن هنا لجأ هؤلاء إلى الوصفة التى اخترعها مبارك كنوع من السخرية من الغضب المتصاعد مطلقا عبارته الشهيرة «خليهم يتسلوا» تعليقا على إقدام سياسيين على تكوين برلمان مواز، عقب فضيحة الانتخابات البرلمانية الأخيرة فى عصر المخلوع.
غير أن مسخرة «خليهم يتسلوا» تحولت إلى مقبرة، وبسرعة البرق سقط مبارك بعد ١٨ يوما فقط من اندلاع ثورة الغضب، بعد أن تجمعت سحب الاحتجاج المحتقن فى كل مكان.. وربما كانت المعادلة فى ذلك الوقت مختلفة، وقد تكون ظروف التفاعل حينها مغايرة، لكن المؤكد أن العناصر هى هى لم تتغير، حيث الانسداد ذاته فى قنوات التعبير، والالتفاف ذاته على أهداف الثورة، بالإضافة إلى ما هو أخطر من ذلك وهو السير عكس اتجاه الثورة فى وضح النهار، ولعل أوضح صور هذه الحركة العكسية ما يدبر الآن لاستعادة رموز النظام السابق مواقعهم بالأموال.
ولو حدث ومرت صفقة العفو المدفوع عن رجال نظام السابق فإن هؤلاء العائدين من طرة لن يخرجوا فى مظاهرة اعتذار للشعب، والتماس الانضمام للثورة، بل سيكونون أمراء انتقام مدججين بالمال والنفوذ والإعلام، وساعتها سيدرك المصريون أن هناك من تعامل مع ثورتهم وكأنها كانت إحدى فقرات البرنامج المسخرة «الكاميرا الخفية».
وإذا ما خرج هؤلاء فبالضرورة لن تكون عودة زعيمهم شيئا مستحيلا، بالنظر إلى هزلية المحاكمات، ولعله يمد بصره الآن إلى اليمن ويتابع حاله مخلوعها صديقه على عبد الله صالح وهو يمرح بطول البلاد وعرضها موجه سبابه واتهاماته للثوار (البلاطجة) بل ومتدخلا فى إدارة اليمن سياسيا، من خلال مؤتمرات وتصريحات وبيانات صحفية يطالب فيها بإبعاد قيادات وإزاحة مسئولين، وكأنه لا يزال حاكما، أو على الأقل شريكا فى الحكم.
فما الذي يمنع مبارك وسط هذا التدليل الذي يجرى مع الثورة المضادة، والذى يقابله شراسة وغل تجاه المتمسكين باستكمال الثورة من أن يحلم بالعودة المظفرة، بشخصه أو فى هيئة واحد من ولديه، اللذين سيكونان مشمولين بالعفو بالتأكيد إذا تمت الصفقة.
إن خطيئة هذه الثورة أنها رضيت بالكفاف واستسلمت للكلام المعسول، وكانت طيبة لدرجة السذاجة عندما ظنت أن أبناء النظام سيكونون على قطيعة مع رأس النظام، أو أنهم يريدون التطهر فعلا مما علق بهم من رذاذ
مصدر:الشروق
0 التعليقات "كاميرات الثورة الخفية"
إرسال تعليق