عندما انطلقت ثورة 25 يناير فى يومها الأول تهتف من أجل الحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية، كان ذلك يؤكد الجوهر الحقيقى للثورة المصرية، حيث أدركت الجماهير الثائرة بوعيها الفطرى أن النضال ضد الاستبداد السياسى والدكتاتورية وقهر الدولة البوليسية لا يمكن أن يكون منفصلا عن نضالها ضد القهر الاجتماعى الذى تمارسه ضدها نفس الطبقة الحاكمة، تلك الطبقة التى راكمت ثرواتها عبر كافة أشكال الفساد ومارست نهبا منظما لثروات الوطن وأهدرت أى توجه نحو تنمية اقتصادية حقيقية مما أنتج سلسلة متصلة من السياسات أدت الى تصاعد غير مسبوق لمعدلات الفقر فى المجتمع فى مواجهة حالة من الثراء الفاحش والمستفز لهذه الطبقة المستغلة. وباستمرار الثورة تطورت توجهاتها حتى بات شعارها المركزي هو إسقاط النظام. لقد وعيت جماهير الشعب الكادحة أن هذا النظام السياسى المعبر عن الطبقة الحاكمة هو بالقطع غير قادر على تحقيق عدالة اجتماعية وتوزيع عادل للثروة من خلال تنمية اقتصادية حقيقية وهيكل أجور ينحاز للفقراء ونظام ضريبى عادل واستئصال جذرى لكل أشكال الفساد الذى أصبح مؤسسة كاملة الأركان فى ظل حكمه. وان هذا العجز عن تحقيق العدالة هو المبرر الأساسي لبناء دولة بوليسية قمعية تحمى مصالح طبقة لصوص الشعب فى مواجهة احتجاجات ونضالات فقراء الوطن المطالبين بحقوقهم فى الثروة القومية. وكانت مشاركة عمال مصر وصغار الموظفين فى فاعليات الثورة واضحة وفعالة بين عمال النقل العام وعمال المحلة والسويس وموظفي الشركة المصرية للاتصالات وغيرها، وقد لعبت هذه المشاركة دورا حاسما فى تحقيق الانتصار الأول للثورة المصرية وهو الإطاحة بمبارك. هذا هو الجوهر الحقيقى للثورة المصرية، ثورة ضد الاستغلال والقهر الاجتماعي وضد الدكتاتورية والاستبداد البوليسى، ثورة تؤكد أن النضال من أجل الخبز والحرية لا ينفصلان، وأنه لا حرية تحت وطأة الفقر والنهب والفساد ولا عدالة اجتماعية بدون حرية وديمقراطية حقيقية تسمح بالمشاركة الشعبية الكاملة فى الإدارة والإنتاج.
اذا كان مبارك قد سقط فهل حقا سقط النظام؟ وهل سقط حكم طبقة اللصوص والفاسدين؟ بالتأكيد لا، فمازال رموز الفساد مطلقى السراح ينعمون بما نهبوه من ثرواتنا، ومازالت جماهير العمال والطلاب وفقراء الوطن تواجه قمع وبطش الشرطة العسكرية لفض اعتصاماتها وإضراباتها وأشكال نضالاتها المختلفة، تلك النضالات التى تستهدف حقوقا مشروعة فى أجر عادل وسياسات عمل تراعى مصالح العمال ومقاومة أنماط الفساد المالى والادارى وخلق نظم ديمقراطية فى الإدارة. هذه الأهداف هى جوهر الثورة المصرية واستمرار النضال من أجلها هو استمرار لمسيرة الثورة الطويلة والتى ترمى الى تغييرات جذرية فى المجتمع وليس مجرد بعض الإصلاحات السياسية أو بعض التعديلات الدستورية والتشريعية. ان الدماء الطاهرة لشهداء الثورة التى سالت فى ميادين وشوارع مصر تستحق الكثير، ولا يمكن أن تكون ثمنا لإصلاحات محدودة فى إطار حكم حفنة من اللصوص والفاسدين. إن الإجراءات القمعية التى يرعاها المجلس العسكرى الأعلى من اقتحام المصانع والجامعات لفض الاعتصامات بالقوة، الى حزمة التشريعات، التى تجرم حقوق الإضراب والتظاهر وأشكال الاحتجاج تؤكد وقوف هذا المجلس فى جانب العداء للثورة وللديمقراطية. لقد كانت هتافات الجماهير تؤكد أن الشعب والجيش يد واحدة، وكان هذا الهتاف يعنى بالأساس أن أفراد الجيش من مجندين وصف ضباط وصغار الضباط هم من أبناء هذا الشعب ومن طبقاته المطحونة والوسطى وأنها تعانى نفس أشكال القهر الاجتماعى والاستغلال الطبقى التى يعانيها المصريون، وأن هؤلاء لن يقبلوا أن يحملوا السلاح فى وجه الثوار بل ويمكن أن يكونوا دعما للثورة فى اللحظة المناسبة، وقد كان انضمام الرائد أحمد شومان لثوار التحرير هو أولى مؤشرات هذا الموقف. أما المجلس العسكرى الذى ارتبط بشكل وثيق بالنظام السابق فلم ينحاز للثورة بقدر ما أدرك استحالة مواجهتها عسكريا بأفراده وصغار ضباطه المنتمين لهذا الشعب، وان ما يمارسه اليوم من سياسات معادية للثورة وللشعب هو أمر ينسجم مع طبيعة علاقاته بالنظام السابق ومنظومة فساده وبالتالى فان الشعب والمجلس العسكرى لا يمكن أن يكونا يدا واحدة. ولكى يستمر الشعب والجيش يدا واحدة لابد أن ينتهى حكم هذا المجلس وأن نستكمل مهام ثورتنا وخطوات المرحلة الانتقالية تحت حكم مجلس رئاسى مدنى ومنتخب بالكامل. إن مسيرة الثورة مستمرة وان إرادة الثوار والمناضلين ستنتصر على الفاسدين وسارقى أقوات الشعب.
الاشتراكيون الثوريون
منقول
0 التعليقات "يسقط المجلس العسكري"
إرسال تعليق