نانسى عطية محررة جريدة الشروق
مشيت خطوات لأتتبع مصدر الغاز الذى كان يأتى من شارع محمد محمود، فى اتجاه سور الجامعة الأمريكية.
الاشتباكات مشتعلة منذ نحو الساعة الثالثة عصرا، وعساكر الأمن المركزى يحاصرون العشرات من المتظاهرين داخل شارع محمد محمود.
داخل شارع محمد محمود كان المشهد مروعا، من بعيد تلوح ظلال لمدرعات الشرطة، وأمامها العشرات من جنود الأمن المركزى، وعدد غير كثير من المتظاهرين فى الجهة الأخرى، بعضهم يتبادل إلقاء الحجارة مع الشرطة، وآخرون مصابون، وفريق ثالث يتولى حمل المصابين بعيدا عن نقطة المواجهات.
ما بين مصاب ومصاب، يرقد مصاب ثالث، أو يجرى رابع بخطوة متعرجة متهالكة هربا من قنابل الغاز. عيون دامعة منتفخة من الدخان، لكنها لا تزال مليئة بالتصميم والعزيمة، هناك أشخاص بلباس مدنى وسط الشرطة، وعساكر فوق المصفحات يحملون بنادق كبيرة الحجم.
الأمن المركزى يمطر المتظاهرين بطلقات الخرطوش وقنابل الغاز، بينما الشباب يكسرون الرصيف. المهمة صعبة، لكنهم ينجحون، ويبدأون مجددا فى الرد على عنف عساكر الأمن المركزى.
الساعة الرابعة والنصف، سماء ميدان التحرير ممتلئة بالغاز المسيل للدموع، والمتظاهرون مازلوا صامدين أمام الأمن المركزى، والمستشفى الميدانى، خلف هارديز ممتلئ عن آخره بالمصابين، والعشرات يسعون لإسعاف من يصل إليهم. أدوات بدائية، لكن هؤلاء الثائرين يكتفون بها، يجىء الواحد منهم مصابا لا يكاد يرى أو يمشى، وكأنه على وشك الانهيار، بعد لحظات يقوم مشتعلا بالثورة، لينضم مجددا. رأيت العشرات يسقطون بالرصاص الخرطوش، الإصابات متنوعة، فى العين والساق والرأس والبطن والظهر، والعشرات غيرهم يكرون تارة.
بدأت قوات الأمن المركزى تتقدم باتجاه المستشفى الميدانى، وغازات الدموع تتجه إلى الداخل، الإعياء يتسرب إلى المعالجين والمصابين معا. بلا شعور، وجدتنى أصرخ فى وجه أقرب العساكر إليّ، يفصل بيننا نحو عشرين مترا، قلت له: كفاية، كفاية حرام عليكوا. كان رده إشارة خارجة بيده، قبل أن يرخى إحدى ساقيه فى وضع كالاستعداد للجرى، ويصوب فوهة بندقيته باتجاهى تماما، ويطلق الرصاص.
ثانية وحيدة، أو أقل، كانت بالنسبة لى زمنا طويلا، رأيت الرصاصة وهى تنطلق من البندقية، وتجرى فى خط مستقيم باتجاهى، قبل أن أحس بارتطامها بى، لم أكن أعرف أى رصاصة هى، لكنى ذقت طعم الألم، وكان هذا آخر ما أذكره.
بعد لحظات، أفقت على وجوه كثيرة، غريبة، تحيط بى، وتحاول إفاقتى. أنا الآن فى مستشفى ميدانى بعيد عن مكان سقوطى، الهواء أكثر نقاء، ورائحة الغاز أقل وضوحا: حمد الله ع السلامة، سمعتها من فتاة ترتدى البالطو الأبيض، فأدركت أنى مازلت على قيد الحياة.
نانسي عطية : الأمن المركزى يمطر المتظاهرين بطلقات الخرطوش وقنابل الغاز |
كانت الساعة تقترب من الثالثة والنصف، وأنا خارجة من محطة مترو أنور السادات من المخرج القريب من هارديز، بالخارج كانت سحابات الغاز المسيل للدموع تغطى المشهد، والعشرات يجرون فى كل اتجاه.
مشيت خطوات لأتتبع مصدر الغاز الذى كان يأتى من شارع محمد محمود، فى اتجاه سور الجامعة الأمريكية.
الاشتباكات مشتعلة منذ نحو الساعة الثالثة عصرا، وعساكر الأمن المركزى يحاصرون العشرات من المتظاهرين داخل شارع محمد محمود.
داخل شارع محمد محمود كان المشهد مروعا، من بعيد تلوح ظلال لمدرعات الشرطة، وأمامها العشرات من جنود الأمن المركزى، وعدد غير كثير من المتظاهرين فى الجهة الأخرى، بعضهم يتبادل إلقاء الحجارة مع الشرطة، وآخرون مصابون، وفريق ثالث يتولى حمل المصابين بعيدا عن نقطة المواجهات.
ما بين مصاب ومصاب، يرقد مصاب ثالث، أو يجرى رابع بخطوة متعرجة متهالكة هربا من قنابل الغاز. عيون دامعة منتفخة من الدخان، لكنها لا تزال مليئة بالتصميم والعزيمة، هناك أشخاص بلباس مدنى وسط الشرطة، وعساكر فوق المصفحات يحملون بنادق كبيرة الحجم.
الأمن المركزى يمطر المتظاهرين بطلقات الخرطوش وقنابل الغاز، بينما الشباب يكسرون الرصيف. المهمة صعبة، لكنهم ينجحون، ويبدأون مجددا فى الرد على عنف عساكر الأمن المركزى.
الساعة الرابعة والنصف، سماء ميدان التحرير ممتلئة بالغاز المسيل للدموع، والمتظاهرون مازلوا صامدين أمام الأمن المركزى، والمستشفى الميدانى، خلف هارديز ممتلئ عن آخره بالمصابين، والعشرات يسعون لإسعاف من يصل إليهم. أدوات بدائية، لكن هؤلاء الثائرين يكتفون بها، يجىء الواحد منهم مصابا لا يكاد يرى أو يمشى، وكأنه على وشك الانهيار، بعد لحظات يقوم مشتعلا بالثورة، لينضم مجددا. رأيت العشرات يسقطون بالرصاص الخرطوش، الإصابات متنوعة، فى العين والساق والرأس والبطن والظهر، والعشرات غيرهم يكرون تارة.
بدأت قوات الأمن المركزى تتقدم باتجاه المستشفى الميدانى، وغازات الدموع تتجه إلى الداخل، الإعياء يتسرب إلى المعالجين والمصابين معا. بلا شعور، وجدتنى أصرخ فى وجه أقرب العساكر إليّ، يفصل بيننا نحو عشرين مترا، قلت له: كفاية، كفاية حرام عليكوا. كان رده إشارة خارجة بيده، قبل أن يرخى إحدى ساقيه فى وضع كالاستعداد للجرى، ويصوب فوهة بندقيته باتجاهى تماما، ويطلق الرصاص.
ثانية وحيدة، أو أقل، كانت بالنسبة لى زمنا طويلا، رأيت الرصاصة وهى تنطلق من البندقية، وتجرى فى خط مستقيم باتجاهى، قبل أن أحس بارتطامها بى، لم أكن أعرف أى رصاصة هى، لكنى ذقت طعم الألم، وكان هذا آخر ما أذكره.
بعد لحظات، أفقت على وجوه كثيرة، غريبة، تحيط بى، وتحاول إفاقتى. أنا الآن فى مستشفى ميدانى بعيد عن مكان سقوطى، الهواء أكثر نقاء، ورائحة الغاز أقل وضوحا: حمد الله ع السلامة، سمعتها من فتاة ترتدى البالطو الأبيض، فأدركت أنى مازلت على قيد الحياة.
0 التعليقات "شهادة (محررة الشروق) عن إصابتها فى ميدان التحرير: (الخرطوشة) لا تزال فى جيبى"
إرسال تعليق